dimanche 28 août 2016

قطات مضيئة عن حياة المعتمد بن عباد وأبنائه بالمغرب

  محمد بن عبد الهادي المنوني
العدد 315 رجب-شعبان 1416/ نونبر-دجنبر 1995
    القصد إلى تبريز صورة لامعة لمواسات واحترام فئات من المغاربة للمعتمد ابن عباد وهو في منفاه، ثم لأبنائه من بعده، مع التنويه بلون العلاقة التراثية بين المغرب والأسرة العبادية، عن طريق مخطوط كتبه أحد أنباء المعتمد، وعاش بعده بالخزانة المغربية حتى وصل إلينا، وأخيرا إلمامه بالاهتمام بابن عباد في المغرب المعاصر.
    وستأتي في الطليعة شهادة لان الأبار (1) يقول فيها المعتمد وهو في منفاه :" قد جعل الله – تعالى – له رقة في القلوب، وخصوصا بالمغرب".
    ومن نماذج هذه الرقة مشهد أهل أغمات وهم يعبرون بالبكاء والعويل، عن مدى خزيهم على واقع ابن عباد، فبعد أيام من وفاته وبالضبط يوم عيد الأضحى، يزور لحده الشاعر الأندلسي أبو بكر بن عبد الصمد، فيطوف بقبره ويلتزمه، ويخر على ترابه ويلثمه، ويجهر بقصيدته العصماء فيفتتحها  قائلا :
    مللك الملوك أسامع فأنادي أم قد عدتك عن السماء عواد وهي مرثية مطولة أورد معظمها لسان الدين ابن الخطيب. (2)
    غير أن الذي يهم موضوعنا منها، هو ما أثاره إنشادها من شواهد العطف الذي يكنه الأغماتيون لضيفهم وهو في عمق الثرى، وذلك ما يجلبه ابن خاقان(3) في تعليقه على القصيدة: "فانحشر الناسي إليه (الشاعر) وأجفلوا، وبكوا لبكائه وأعولوا، وأقاموا أكثر نهارهم مطيفين به طواف الحجيج، مديمين بالبكاء والعجيج، ثم انصرفوا وقد نزفوا ماء عيونهم، وأقرحوا مآقيهم بفيض شؤونهم".
    وفي مساق ابن الصيرفي (4) لهذا الموقف :"لما انفصل الناس من مصلى العيد الذي توفى المعتمد في شهره، خف لقبره ملأ من الناس يتوجعون له ويترحمون عليه، وأقبل شاعره ابن عبد الصمد في جملتهم، فوقف على قبره وأنشد.. ثم خر يبكي ويعفر وجهه في تراب قبره، فبكى ذلك الملأ حتى أخلصوا ملابسه، وارتفع نشيجهم وعويلهم".
    وإلى هذه العواطف النبيلة من أهل أغمات، نعززها بعاطفة أدبية تأتي من مدينة فاس والمعتمد لا يزال بقيد الحياة، ويتعلق الأمر بجماعة من الحاضرة الإدريسية ساقهم انحرافهم إلى النفي لمدينة أغمات، وكان بينهم شعراء، فرغبوا إلى سجانهم أن يفسح لهم الاتصال بابن عباد، فخلى ما بينه وبينهم حسب ابن خاقان (5) الذي يضيف :"فكان المعتمد – رحمه الله – يتسلى بمجالستهم، ويجد أثر موانستهم، ويستريح إليهم بجواه، ويبوح لهم بسره ونجواه، إلى أن شفع فيهم وانطلقوا من وثاقهم.. فدخلوا عليه مودعين، ومن بثه متوجعين، فقال في مطلع قطعة :
    أما لانسكاب الدمع في الخد راحة لقد آن أن يفنى ويفني به الخد
    هبوا دعوة يا آل فاس لمبتل  بما منه قد عافاكم الصمد الفرد
    ومع مر الزمن، يتطور هذا العطف إلى تقدير للمثقفين من أبناء المعتمد الراحلين معه للمغرب، وهم عبيد الله الرشيد، وعبد الوهاب، وحكم، ويحيى، وقد كانوا يتوفرون على علم وأدب، ويرشحون للوظائف، فعبد الوهاب ولي صلاة الفريضة بجامع مراكش، واستنيب في الخطبة به دهرا (6) وانخرط في خطة التوثيق كل من يحيى بمراكش (7)، وحكم بفاس. (8)
    هذا إلى أن بعضا منهم يضيفون إلى ثقافتهم براعة في الخط والوراقة، فكان المعتمد وهو في منفاه أراد انتساخ كتب أدب فوزعه بين ثلاثة من بنيه يصفهم ابن اللبانة بأنهم ذوو خط رائع، ونقل حسن، ويخاطب حكما أحد أصحابه بقطعة يقول في أولها :
    تتسامى الحكم
    مذ وشاها حكم
    فخر الطرس به
    وتباهى القلم (10) 

    ويصف ابن اللبانة (11) وراقة يحيى قائلا عنه :
    "مسارع في إنشاء الكتب، مثابر على نسخ الدواوين، مفتح فيها – من خطه – زهر الرياحين".
    وقد أتيح ليحيى هذا أن يتميز بين أبناء المعتمد بمأثرة تجعل من عمله في الوراقة، منبعثا لعلاقة تراثية بين أسرة ابن عباد من جهة، ومن الجهة الثانية مع نخب المهتمين من المغاربة إلى يوم الناس هذا، ويتعلق الأم بذخيرة مخطوطة لا تزال حية بالخزانة المغربية، وتمثلها عدة أجزاء صغيرة وقطع من نسخة من "الموطأ" للإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي، فيصدر كل جزء منها باسم ناسخها : يحيى بن محمد بن عباد اللخمي، مع التنصيص على كتابتها بمدينة مراكش، برسم خزانة أمير المسلمين، وناصر الدين : علي بن يوسف بن تاشفين، وفي الأواخر التامة من أجزائها، يسجل ناسخها تاريخ كتابتها بعام اثنتين وخمسمائة، أو ثلاثة وخمسمائة.
    وقد كان المعروف من هذه النسخة – دون التنبه إلى طابعها العبادي – هي الأجزاء المحفوظة بخزانة القرويين تحت رقم605، ثم عثرت على قطع أخرى في الخزانة العامة، وهي تشتمل على شذرات من الأجزاء : 22،23،25، وقد صدرت بعض هذه الشذرات باسم ناسخها، وذكر اسم المكتوبة برسمه، وتحمل هذه القطع الجديدة بالخزانة العام  رقم 2974 ك.
    وأخيرا نذيل بملامح من بعث الاهتمام بالمعتمد ابن عباد في المغرب المعاصر، وتنطلق المبادرة من مجلة "السلام" سنة 1933، فتنشر في عددها الأول مقالتين موضوعتين :
    الأولى : للأستاذ المرحوم أحمد بلافريج بعنوان :"المعتمد ابن عباد".
    والثانية : للأستاذ المرحوم عبد الله كنون بعنوان :"يوسف بن تاشفين والمعتمد ابن عباد".
    وسيعود الأستاذ بلافريج إلى الموضوع، فينشر مقال جديدة في "مجلة المغرب" عدد يوليوز 1936، وفي ختامها ينثر هذه الفقرة :"فمتى تقيم مراكش موسم المعتمد، ومتى ترضيه ميتا بعدما أغضبته حيا، ومتى تلبي إرادته".
    ولحسن الحظ بدأ التجاوب مع هذا النداء والمغرب يعيش في ظل الاستقلال، وجاء ذلك بهمة الأستاذ المرحوم الفاسي وهو على رأس وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية والتعليم الأصيل، فأنجزت وزارته أعمال الترميم لضريح المعتمد ابن عباد، وفي يوم 26 أبريل 1970 أقيم بأغمات احتفال ألقى فيه الوزير – المنوه به – كلمة في التعريف بابن عباد وأده.


    Aucun commentaire:

    Enregistrer un commentaire

    الجزائر بـ «قبر الهجمات - Alger « tombeau des attaques »

     La côte d'Alger a souvent été surnommée le « tombeau des attaques » en raison des échecs répétés des grandes puissances européennes à s...