قصيدة لـ"أبي الفضل الوليد بن طعمة" شاعر لبناني قالها عام 1939م
رثاء الاندلس
يا أرض أندلس الخـضـراء حينـا *** لعل روح من
الحمراء تحينا
عادة إلي أهلها تشتاق فتيتها *** فأسمعت من غنا الحب تحلينا
كانت لنا , فعنت تحت السيوف لهم*** لكن حاضرها رسم لماضينا
وفي عزنا اكتسبت منا فصورتنا ***محفوظة أبدآ فيها تعزينا
في البرتغال وأسبانيا ازدهرت آدابنا
*** وسمت دهرآ مبانينا
وفي صقيلية الآثار ما برحت *** تبكي التمدن حينا والعلا حنينا
كم من قصور وجنات مزخرفة *** فيها الفنون جمعناها أفانينا
وكم صروح وأبراج ممردة *** زدنا الملك توطيدآ وتمكينا
وكم مساجد أعلينا مآذنها *** فاطلعت أنجمآ منها معالينا
تلك البلاد استمدت من حضارتنا *** ما أبدعته وأولته أيدينا
فيها النفائس جاءت من صناعتنا *** ومن زراعتنا صارت بساتينا
فأجدبت بعدنا واستوحشت زمنآ *** تصبوا إلينا وتبكي من ثنائينا
أيام كانت قصور الملك عالية *** كان الفرنج إلي الغابات أوينا
وحين كنا نجر الخز أرديت *** كانوا يسيرون في الأسواق عارينا
جاءت من الملأ الأعلى قصائدنا *** والروم قد أخذوا عنا قوافينا
لم يعرفوا العلم إلا من مدارسنا *** ولا الفروسية إلا من مجارينا
أعلى الممالك داستها جحافلنا *** وسرحت خيلنا فيها سراحيلا
تلك الجياد بأبطال الوغى *** قطعت جبال برناتا وانقضت شواهينا
في أرض أفرنست القصوى *** لها أثر قد زاده الدهر أيضاح وتبينا
داست حوافرها ثلجآ كما وطئت رملآ *** وخاضت عبابآ في مغازينا
كسرى وقيصر قد فرت جيوشهما *** للمرزبان وللبطريق شاكينا
حيث العمامة بالتيجان مرزية *** من يوم يرموك حتى يوم حطينا
وللعروش طواف بالسرير *** إذا قام الخليفة يعطر للناس تأمينا
بعد الخلافة ضاعت أرض أندلس *** وما وفا العرب الدنيا ولا الدينا
وا لملك أصبح دعوى في طوائفهم *** واستمسكوا بعُرى اللذات غاوينا
كل طائفة قد بايعت ملكا ***لم يلفَ من غارة الإسبان تحصينا
وهكذا يفقد السلطان هيبته *** إن أكثر الناس بالفوضى السلاطينا
تلك المساجد صارت للعِدى بيَعًا *** بعد الأئمة لا تهوى الرهابينا
هل ترجعن لنا يا عهد قرطبة *** فكيف نبكي وقد جفت مآقينا
ما كان أعظمها للملك عاصمة *** وكان أكثرها للعلم تلقينا
لم يبق منها ومن مُلكٍ ومن دولٍ *** إلا رسوم وأطياف تُباكينا
والدهر مازال في آثار نعمتها *** يروي حديثًا به يشجو أعادينا
أين الملوك بنو مروان ساستها *** يصحون قاضينا ويسمون غازينا
وأين أبناءُ عبّادٍ ورونقهم *** وهم أواخر نورٍ في دياجينا
يأيها المسجد العاني بقرطبةٍ *** هلاّ تذكرك الأجراس تأذينا
تلك القصور من الزهراء طامسةٌ *** وبالتذكر نبنيها وتبنتينا
على الممالك منها أشرفت شُرَفٌ *** والمُلك يعشق تشييدًا وتزينًا
وعبد رحمانها يلهو بزُخرُفِها *** والفن يجمع فيها الهند والصينا
كانت حقيقة سلطان ومقدرةٌ *** فأصبحت في البِلى وهمًا وتخمينًا
عمائم العُرب الأمجاد ما برحت *** على المطارف بالتمثيل تُصبينا
وفي المحاريب أشباحٌ تلوح لنا *** وفي المنابر أصواتٌ تُنادينا
يا برق طالع قصورًا أهلها رحلوا*** وحي أجداث أبطالٍ مُنيخينا
أهكذا كانت الحمراء موحشةً *** إذ كُنتَ تَرقُبُ أفواج المغنينا
وللبرود حفيفٌ فوق مرمرها *** وقد تطوع منها مسك دارينا
ويا غمام افتقد جنات مُرسيةٍ *** ورد من زهرها وردًا ونسرينا
وأمطر النخل والزيتون غاديةً *** والتوت والكرم والرمان والتينا
أوصيك خيرًا بأشجارٍ مباركةٍ *** لأنها كلها من غرس أيدينا
كنا الملوك وكان الكون مملكة *** فكيف بتنا المماليك المساكينا
وفي رقاب العِدى انفلت صوارمنا *** واليوم قد نزعوا منا السكاكينا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire